فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَمَا تَخْرُجُ مِن ثمرات مّنْ أَكْمَامِهَا} يعني: من أجوافها.
يعني: حين تطلع، وغلاف كل شيء كمه أي: تخرج من موضعها الذي كانت فيه.
قرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، في إحدى رواية حفص: {مِن ثمرات} بلفظ الجمع.
والباقون: {مِن ثَمَرَةٍ} بلفظ الواحد.
ثم قال: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} يعني: إلا وهو يعلمه، ولا يعلم أحد قبل الولادة، قبل صفته، ولا يعلم أحد بعد وضعه، كم أجله.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} يعني: يدعوهم، {أَيْنَ شُرَكَائِىَ} يعني: الذين كنتم تدعون من دون الله، {قَالُواْ ءاذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} يعني: أعلمناك، وقلنا لك: {مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} يعني: يشهد بأن لك شريك تبرؤوا من أن يكون مع الله شريك.
وقالوا: ما منا من أحد يشهد لك أنه عبد أحد دونك.
وقال القتبي: هذا قول الآلهة التي كانوا يعبدون في الدنيا.
ما منا من شهيد لهم كما قالوا.
وادعوه في الدنيا فينا.
{وَضَلَّ عَنْهُم} يعني: بطل عنهم، {مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ} في الدنيا، {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} يعني: علموا، واستيقنوا ما لهم من ملجأ، ولا مفر من النار.
قوله تعالى: {وَلاَّ يَسْئَمُ} يعني: لا يمل الكافر.
قال الضحاك: نزلت في شأن النضر بن الحارث.
{مِن دُعَاء الخير} يعني: من سؤال الخير.
يعني: العافية في الجسد، والسعة في الرزق.
{وَإِن مَّسَّهُ الشر} يعني: أصابته الشدة، والبلاء، والفقر، {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} يعني: آيسًا من الخير، قانطًا من رحمة الله تعالى.
ويقال: لا يمل من دعاء الخير، وإذا نزلت به شدة.
يقول: اللهم عافني، وإذا مسه الشر {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} يعني: آيسًا من معبوده.
{وَلَئِنْ أذقناه رَحْمَةً مّنَّا} يعني: أصبناه عافية منا، وَغِنًى، {مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ} يعني: من بعد شدة أصابته، {لَيَقُولَنَّ هذا لِى} يعني: أنا أهل لهذا، ومستحق له.
ويقال: أنا أحق بهذا.
ويقال: هذا بعملي، وأنا محقوق به.
{وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} يعني: ما أحسب القيامة كائنة، {وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى} يعني: يوم القيامة، {إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} يعني: الجنة ولئن كان يوم القيامة، كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فلي الجنة.
يقول الله تعالى: {فَلَنُنَبّئَنَّ الذين كَفَرُواْ} يعني: لنخبرنهم، {بِمَا عَمِلُواْ} من أعمالهم الخبيثة، {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ} يعني: لنجزينهم، {مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} يعني: عذاب شديد لا يفتر عنهم.
قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} يعني: أعرض الكافر، فلا يدعو ربه.
وقال الكلبي: أعرض عن الإيمان.
{وَنَأَى بِجَانِبِهِ} يعني: تباعد بجانبه عن الدعاء، وعن الإيمان.
{وَإِذَا مَسَّهُ الشر} يعني: أصابته الشدة {فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} قال مقاتل والكلبي: يعني: كثيرًا.
ويقال: يعني: طويلًا.
فإن قيل: قد قال في موضع.
{وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} وقال في موضع آخر: {فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} مرة ذكر أنه يَؤُوس، ومرة أُخرى ذكر أنه يدعو، فكيف هذا؟ قيل له: هذا في شأن رجل، وهذا في شأن رجل آخر، ويجوز أن يكون في شأن إنسان واحد.
{وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} عن كل معبود دون الله، فيدعو الله دائمًا.
فقال عز وجل: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} يعني: إن كان هذا الكتاب من عند الله، {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} يعني: جحدتم أنه ليس من عند الله، ماذا تقولون؟ وماذا تجيبون؟ وماذا تحتالون.
إذا نزل بكم العذاب يوم القيامة؟
{مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ في شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أي: في خلاف طويل، بعيد عن الحق.
قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الافاق} يعني: عذابنا في البلاد، مثل هلاك عاد، وثمود، وقوم لوط، وهم يرون إذا سافروا، آثارهم، وديارهم.
{وَفِى أَنفُسِهِمْ} يبتلون بأنفسهم من البلايا.
ويقال: من قتل أصحابهم الكفار في الحرب، {حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} يعني: إن الذي قلت هو الحق، فيصدقونك.
وقال مجاهد: {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الافاق} يعني: ما يفتح الله عليهم من القرى، {وَفِى أَنفُسِهِمْ} قال: فتح مكة.
وقال الضحاك: معناه أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بعلامة، فانشق القمر نصفين.
فقال: أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان القمر قد انشق، فهي آية.
ثم قال: يا معشر قريش، إن محمدًا قد سحر القمر، فوجهوا رسلكم إلى الآفاق.
هل عاينوا القمر؟ إنْ كان كذلك، فهي آية وإلا فذلك سحر، فوجهوا.
فإذا أهل الآفاق، يتحدثون بانشقاقه.
فقال أبو جهل عليه اللعنة: هَذَا سِحْرٌ مُسْتَمِر.
يعني: ذاهبًا في الدنيا.
فنزل {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الافاق وَفِى أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} وقال بعض المتأخرين.
{سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الافاق} ما وضع في العالم من الدلائل، وفي أنفسهم ما وضع فيها من الدلائل، التي تدل على وحدانية الله تعالى، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم صادق ينطق بالوحي فيما يقول.
وهذا كما قال: {وَفِى الأرض ءايات لِلْمُؤْمِنِين وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}.
قوله تعالى: {أَوَ لَم يَكْفِ بِرَبّكَ} شاهدًا أن القرآن من الله تعالى، {أَنَّهُ على كُلّ شيء شَهِيدٌ} أي: عالم بأعمالهم، بالبعث وغيره.
وقال الكلبي: {أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ} يعني: أنه قد أخبرهم بذلك، وإن لم يسافروا.
ويقال: {أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ} ومعنى الكفاية هاهنا، أنه قد بيّن لهم ما فيه كفاية، بالدلالة على توحيده، وتثبيت رسله.
ثم قال: {أَلاَ إِنَّهُمْ في مِرْيَةٍ مّن لّقَاء رَبّهِمْ} ألا: كلمة تنبيه.
يعني: اعلم أنهم في شك من البعث، {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلّ شيء مُّحِيطُ} يعني: ألا إن الله تعالى عالم بأعمالهم، وعقوبتهم، والإحاطة إدراك الشيء بكماله.
يعني: أحاط علمه سبحانه وتعالى بكل شيء من البعث، وغيره، والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده وآله وسلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وقيضنا لهم قرناءَ} فيه قولان:
أحدهما: هيأنا لهم شياطين، قاله النقاش.
الثاني: خلينا بينهم وبين الشياطين، قاله ابن عيسى.
{فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} فيه أربعة تأويلات:
أحدها ما بين أيديهم من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر الآخرة، قاله السدي ومجاهد.
الثاني: ما بين أيديهم من أمر الآخرة فقالوا لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات، قاله الكلبي.
الثالث: ما بين أيديهم هو فعل الفساد في زمانهم، وما خلفهم هو ما كان قبلهم، حكاه ابن عيسى.
الرابع: ما بين أيديهم ما فعلوه، وما خلفهم ما عزموا أن يفعلوه.
ويحتمل خامسًا: ما بين أيديهم من مستقبل الطاعات أن لا يفعلوها، وما خلفهم من سالف المعاصي أن لا يتوبوا منها.
قوله عز وجل: {وقال الذين كفروا لا تسمعُوا لهذا القرآن} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تتعرضوا لسماعه.
الثاني: لا تقبلوه.
الثالث: لا تطيعوه من قولهم السمع والطاعة.
{والغوا فيه} وفيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني قعوا فيه وعيبوه، قاله ابن عباس.
الثاني: جحدوه وأنكروه، قاله قتادة.
الثالث: عادوه، رواه سعيد بن أبي عروبة.
الرابع: الغوا فيه بالمكاء والتصدية، والتخليط في النطق حتى يصير لغوًا، قاله مجاهد.
قوله عز وجل: {وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضَلاّنا من الجن والإنس} فيهما قولان:
أحدهما: دعاة الضلالة من الجن والإنس، حكاه بن عيسى.
الثاني: أن الذي من الجن إبليس، يدعوه كل من دخل النار من المشركين، والذي من الإنس ابن آدم القاتل أخاه يدعوه كل عاص من الفاسقين، قاله السدي.
وفي قوله: {أرنا اللذَين} وجهان:
أحدهما: أعطنا اللذين أضلانا.
الثاني: أبصرنا اللذين أضلانا.
{نجعلهما تحت أقدامنا} يحتمل وجهين:
أحدهما: انتقامًا منهم.
الثاني: استذلالًا لهم.
{ليكونا من الأسفلين} يعني في النار، قالوا ذلك حنقًا عليهما وعداوة لها.
ويحتمل قوله: {من الأسفلين} وجهين:
أحدهما: من الأذلين.
الثاني: من الأشدين عذابًا لأن من كان في أسفل النار كان أشد عذابًا.
قوله عز وجل: {إن الذين قالوا ربنا اللّهُ} قال ابن عباس: وحّدوا الله تعالى.
{ثم استقاموا} فيه خمسة أوجه:
أحدها: ثم استقاموا على أن الله ربهم وحده، وهو قول أبي بكر رضي الله عنه ومجاهد.
الثاني: استقاموا على طاعته وأداء فرائضه، قاله ابن عباس والحسن وقتادة.
الثالث: على إخلاص الدين والعلم إلى الموت، قاله أبو العالية والسدي.
الرابع: ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم.
الخامس: ثم استقاموا سرًا كما استقاموا جهرًا.
ويحتمل سادسًا: أن الاستقامة أن يجمع بين فعل الطاعات واجتناب المعاصي لأن التكليف يشتمل على أمر بطاعة تبعث على الرغبة ونهي عن معصية يدعو إلى الرهبة.
{تتنزل عليهم الملائكة} فيه قولان:
أحدهما: تتنزل عليهم عند الموت، قاله مجاهد وزيد بن أسلم.
الثاني: عند خروجهم من قبورهم للبعث، قاله ثابت ومقاتل.
{ألا تخافوا ولا تحزنوا} فيه تأويلان:
أحدهما: لا تخافوا أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفكم، قاله عكرمة.
الثاني: لا تخافوا ولا تحزنوا على أولادكم. وهذا قول مجاهد.
{وأبشروا بالجنة} الآية. قيل إن بشرى المؤمن في ثلاثة مواطن: أحدها عند الموت، ثم في القبر، ثم بعد البعث.
قوله عز وجل: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فيه وجهان:
أحدهما: نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة، قاله السدي.
الثاني: نحفظكم في الحياة الدنيا ولا نفارقكم في الآخرة حتى تدخلوا الجنة.
ويحتمل ثالثًا: نحن أولياؤكم في الدنيا بالهداية وفي الآخرة بالكرامة.
{ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم} فيه وجهان:
أحدهما: أنه الخلود لأنهم كانوا يشتهون البقاء في الدنيا، قاله ابن زيد.
الثاني: ما يشتهونه من النعيم، قاله أبو أمامة.
{ولكم فيها ما تدَّعون} فيه وجهان:
أحدهما: ما تمنون، قاله مقاتل.
الثاني: ما تدعي أنه لك فهو لك بحكم ربك، قاله ابن عيسى.
{نزلًا} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يعني ثوابًا.
الثاني: يعني منزلة.
الثالث: يعني منًّا، قاله الحسن.
الرابع: عطاء، مأخوذ من نزل الضيف ووظائف الجند {من غفور رحيم} قوله عز وجل: {ومَن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله} الآية. فيه قولان:
أحدهما: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن والسدي.
الثاني: أنهم المؤمنون دعوا إلى الله، قاله قيس بن أبي حازم ومجاهد.
{وعمل صالحًا} فيه قولان:
أحدهما: أنه أداء الفرائض، قاله الكلبي.
الثاني: أنهم المصلون ركعتين بين الأذان والإقامة، قالته عائشة رضي الله عنها.
وروى هشام بن عروة عن عائشة قالت: كان بلال إذا قام يؤذن قالت اليهود قام غراب- لا قام- فنادى بالصلاة، وإذا ركعوا في الصلاة قالوا قد جثوا- لا جثوا- فنزلت هذه الآية في بلال والمصلين.